انتصار الأسود وولادة جيل جديد: البعد الجيوسياسي لانبعاث المغرب من قلب الملاعب

بقلم: رئيس جمعية سوس للتكوين والتنمية

في لحظة من اللحظات النادرة التي تمتزج فيها الرياضة بالسياسة، والفرح الشعبي بالتحول الجيوسياسي، جاء انتصار المنتخب الوطني المغربي ليُعيد صياغة الأمل في وجدان الشباب المغربي والعربي، ويفتح صفحة جديدة من الفخر الوطني في مغرب يمتد بثقافاته وألوانه من الريف إلى الصحراء، ومن الأطلس إلى شواطئ الأطلسي والمتوسط، مغرب يشبه فسيفساءً إنسانيةً متداخلةً من الأمازيغ والعرب والأفارقة…
هذا النصر الرياضي لم يكن مجرد تأهل أو رفع علم، بل كان إعلانًا رمزيًا عن تحوّل عميق يُعبّر عن بُعد استراتيجي يقوده المغرب برؤية ملك وضع الرياضة والشباب في صلب مشروع وطني طموح
بين الجغرافيا والتاريخ: موقع يصنع الفارق:

يقع المغرب في نقطة التقاء الجغرافيات الكبرى: بين ضفتي الأطلسي والمتوسط، عند حافة أوروبا وبوابة إفريقيا، وفي قلب المجال العربي. هذا الموقع لم يكن يومًا عبثيًا، بل شكّل دومًا أرضيةً خصبةً للحضارات والحوارات، ولكنه أيضًا كان شاهدًا على محن شعوب سقطت في هوة الإحباط، منذ سقوط الأندلس، وتراجع مركزية الشرق والغرب العربي، ومرورًا بمرحلة الاستعمار التي جعلت من الشباب العربي – والمغاربي ضمنه – مجرد متلقٍ، لا فاعل.
وبينما استسلمت أجيال متعاقبة لمشاعر المهزومية والعجز، جاءت هذه اللحظة، لحظة الأسود، لتقول شيئًا مختلفًا تمامًا.

جيل الملك: من الحلم إلى الفعل
الجيل الجديد من الشباب المغربي، الذي ترعرع في ظل مشروع تنموي يقوده جلالة الملك محمد السادس، هو جيل لا يعرف المستحيل. جيل تلقى رسالة واضحة: النهوض ليس شعارًا بل مسار، والنجاح ليس حكرًا على أحد. ولهذا، لم يكن غريبًا أن نرى شبابًا مغاربة يقاتلون على أرضية الملاعب، وهم يحملون في قلوبهم وطموحاتهم مشروع وطن بأكمله.

في هذا السياق، يشكل الفوز الرياضي المغربي أكثر من مجرد إنجاز رياضي؛ إنه تتويج لرؤية ملكية ترى في الشباب الفاعل الأساسي لبناء مغرب قوي، مزدهر، قادر على تحقيق المستحيل – وربما الفوز بكأس العالم 2030 كتجلي لهذه الإرادة على مستوى آخر .

أكادير… أمن الرياضة وشباب الجامعات:
ولا يمكن الحديث عن البعد الجيوسياسي لانتصارات المغرب دون التوقف عند البرامج الموازية التي تُؤسس للغد، ومنها برنامج تكوين الشباب الجامعي بأكاديمية الأمن الخاص بأكادير، الذي يعد نموذجًا على التقاء الرياضي بالأمني في خدمة صورة المغرب.

هذا البرنامج لا يقتصر فقط على تدريب شباب أكادير على تقنيات التأمين والحماية، بل يُسهم في بناء وعي جماعي لدى هؤلاء الشباب بضرورة تأمين التظاهرات الرياضية الكبرى، والقيام بأدوار تحسيسية لجمهور الملاعب، ما يعزز من صورة المغرب كبلد قادر على تنظيم أرقى التظاهرات وفق أعلى المعايير الدولية.

بعبارة أخرى، هؤلاء الشباب لا يؤمّنون الملاعب فقط، بل يؤمّنون المستقبل.

الرياضة رافعة النهضة العربية؟
انتصار المنتخب المغربي يلامس وجدان شباب عربي بأكمله، شباب عانى طويلًا من الإحساس بالدونية، واعتاد رؤية الإنجازات الكبرى تأتي من « الآخر »، قبل أن يرى في شباب المغرب نموذجًا جديدًا يُشبهه، ويُمكن الاقتداء به.
وهنا بالضبط يكمن البعد الجيوسياسي الحقيقي لهذا الانتصار: شباب مغربي ينير الطريق لجيله في باقي بلدان المنطقة، يحطم حاجز الخوف، ويقول: « نحن هنا، نقدر ونفعل وننتصر ».

هذا النهوض الجماعي لن يكون رياضيًا فقط، بل سيمتد لا محالة إلى الاقتصاد، والثقافة، والعلم، لأن من ينتصر على العشب، يمكنه أن ينتصر أيضًا في المختبر والمصنع والمسرح والمدرسة.

*فكر ملك ورؤية أمة*

وراء هذا كله، يقف رجل لا يُكثر من الكلام، لكنه يُكثر من العمل: جلالة الملك محمد السادس، الذي استطاع بفكر هادئ وبعد نظر، أن يضيف للرياضة بُعدًا جيوسياسيًا جديدًا، لا يُقاس فقط بالميداليات، بل بتغيير العقليات.
لقد فهم جلالته أن مفتاح نهضة الأمة يبدأ من الشباب، وأن الرياضة قد تكون شرارة تحول كامل في المنطقة. وقد حصل ذلك بالفعل.

نحن أمام لحظة مغربية عربية فارقة. لحظة تستحق أن تُخلد.

طوبى لوطن يحلم، وطوبى لملك يؤمن، وطوبى لشباب قرر أن يصنع التاريخ بدل أن يُعيد اجتراره.