صوت الأكاديمية
صوت الأكاديمية
بين حرية الاحتجاج وحفظ النظام العام: مسؤولية مشتركة لصناعة التغيير الإيجابي
بقلم: رئيس جمعية سوس للتكوين والتنمية ASFD
شهد المغرب خلال الفترة الأخيرة موجة من الاحتجاجات الشبابية التي رفعت شعارات اجتماعية وإصلاحية، مستهدفة قطاعات حيوية ومنددة بمظاهر الفساد وسوء التدبير. وبينما تجلت هذه التحركات في بعض المدن بشكل سلمي ومسؤول، سُجّلت في مناطق أخرى انزلاقات خطيرة تمثلت في أعمال عنف وتخريب طالت ممتلكات عمومية وخاصة، ما أثار تساؤلات جوهرية حول أسباب هذا التباين، ودور مختلف الفاعلين في توجيه هذه الطاقات الشابة نحو أساليب نضال حضارية ومنتجة.
✦ تناقضات داخل الحراك الشبابي
إن التناقض الصارخ بين شباب اختار التعقل في تنظيم مسيراته الاحتجاجية، وآخرين جنحوا نحو العنف والتخريب، يطرح علامات استفهام حول طبيعة التأطير الذي يتلقاه الشباب، ومدى قدرة المؤسسات التربوية والاجتماعية على تنمية حس المواطنة والوعي بالحقوق والواجبات لديهم. فثورة الشباب، وإن كانت مشروعة في مطالبها، فإنها تُهدد السلم الاجتماعي عندما تخرج عن طابعها السلمي وتتحول إلى فوضى.
✦ أين دور الأسرة والمدرسة؟
لا يمكن إغفال دور الأسرة والمدرسة باعتبارهما المؤسستين الأساسيتين في بناء شخصية الناشئة. فحينما تُقصّر الأسرة في التربية على الحوار، والمدرسة في ترسيخ ثقافة المواطنة، يصبح الشارع هو المربي الأول، وما يحمله من خطر الانجرار وراء شعارات هدامة أو انفعالات عابرة.
وهنا تبرز ضرورة إدماج قيم التسامح، الحوار، تدبير الاختلاف، احترام القانون، والمشاركة البناءة ضمن المناهج الدراسية والأنشطة الموازية، بما يسمح بتكوين مواطن مسؤول لا مجرد فرد غاضب.
✦ السلطات العمومية.. منطق الحكامة لا القبضة الحديدية
وفي المقابل، فإن السلطات العمومية مطالَبة بتغيير مقاربتها في التعامل مع الاحتجاجات، بالانتقال من منطق الردع إلى منطق الحكامة والتفاعل الإيجابي. فاحتواء الأزمة يبدأ بالإنصات والتواصل، لا بالقمع والتهميش. وتوفير قنوات مؤسساتية للشباب للتعبير عن آرائهم ومطالبهم من شأنه أن يُجنب البلد الانفجارات الاجتماعية غير المحسوبة.
✦ حلول عملية لتفادي الانزلاقات مستقبلا
من أجل تجنب تكرار هذه الانزلاقات، يمكن اقتراح مجموعة من الإجراءات العملية:
إطلاق حملات تحسيسية على الصعيد الوطني حول ثقافة الاحتجاج السلمي والمسؤول.
إحداث نوادٍ للمواطنة داخل المؤسسات التعليمية، تشرف عليها فعاليات مدنية مختصة في تأطير الشباب.
إشراك جمعيات المجتمع المدني في الوساطة بين السلطات والشباب، خاصة خلال فترات التوتر الاجتماعي.
توفير منصات رقمية تمكن الشباب من تقديم مقترحاتهم ومطالبهم بشكل حضاري ومنظم.
تعزيز التربية الإعلامية لمحاربة الأخبار الزائفة وخطاب التحريض المنتشر على مواقع التواصل.
✦ جمعية سوس للتكوين والتنمية: نحو برامج نموذجية
تعتزم جمعية سوس للتكوين والتنمية لعب دور محوري في هذا الإطار، من خلال تأسيس واقتراح مبادرات فعالة تستهدف فئة الشباب وأولياء الأمور على حد سواء وبرامج تكوينية لدعم التمدرس لمحاربة الهدر المدرسي، تتمحور حول:
التكوين في تقنيات الحوار والتواصل اللاعنفي.
ورشات حول حقوق الإنسان والمسؤولية المدنية.
لقاءات تربوية لفائدة الأسر حول سبل تربية الأبناء على ثقافة المواطنة.
تنظيم منتديات شبابية رقمية للنقاش الحر والموجه حول القضايا الوطنية والمحلية.
إطلاق برامج الدعم المدرسي والمواكبة الإجتماعية لفائدة المنقطعين عن الدراسة
كما تعمل الجمعية على تعزيز الشراكات مع المؤسسات التعليمية والسلطات المحلية، بهدف خلق جسور ثقة وتعاون، وإرساء ثقافة المشاركة البناءة بدل الانفعال المدمر.
✦ خاتمة: نحو نموذج مغربي في الاحتجاج الحضاري
إن بناء مجتمع متوازن يقوم على احترام الحقوق والواجبات ليس مسؤولية جهة دون أخرى، بل هو مسؤولية جماعية تتطلب انخراط الأسرة، المدرسة، الدولة، والمجتمع المدني. ومتى تمكنا من غرس القيم الديمقراطية في الناشئة، ومنح الشباب الآليات السليمة للتعبير، ستتحول موجات الغضب إلى قوة اقتراح قادرة على تحقيق التغيير المنشود دون المساس بأمن الوطن واستقراره.
