صوت الأكاديمية
التأطير الحقيقي… عندما يصبح الشباب فاعلين في التنمية وليس مجرد أرقام بقلم رئيس جمعية سوس للتكوين والتنمية
في خضم التحولات التي تعرفها الساحة الوطنية، وما شهدته الفضاءات العامة بالمملكة من احتجاجات شبابية متزايدة، حملت في طياتها دعوات صريحة إلى محاربة الفساد، وإصلاح الخدمات العمومية، خصوصًا في قطاعات الشغل والصحة والتعليم، برز مجددًا مفهوم « التأطير » كأحد المرتكزات الأساسية التي نادى بها الخطاب الملكي الأخير بمناسبة افتتاح الدورة الأخيرة من الولاية التشريعية.
غير أن التأطير، كما تم الترويج له في الكثير من السياقات، لا يمكن اختزاله في مجرد تواصل أحادي الاتجاه أو تأثيث شكلي للفضاءات السياسية والمدنية بالشباب، بل هو – في جوهره – عملية تمكين حقيقي تضع الشاب المغربي في قلب العملية التنموية، كفاعل وصاحب مصلحة، لا كرقم أو « كومبارس » في مشهد سياسي أو اجتماعي مشبوه.
التأطير كمسؤولية مشتركة: نحو إطار يخدم الشباب لا العكس
إن التأطير، كيفما كانت الجهة القائمة عليه – سواء كانت مؤسسة إدارية أو حزبا سياسيا أو جمعية من المجتمع المدني – لا يستقيم دون أن يُبنى على قاعدة أخلاقية وإنسانية تجعل من مصلحة الشباب هي الأولوية، ومن تمكينهم وسيلة وغاية في آن.
هذا التأطير المنشود، لا يجب أن يعود بالنفع على المؤطر بقدر ما يجب أن يُترجم إلى فرص فعلية، ومبادرات ملموسة ينتفع بها الشباب بشكل مباشر، ماديًا ومعنويًا، ليجدوا أنفسهم في مسار تطور حقيقي يُخرجهم من وضعية الهشاشة إلى وضعية اعتبار اجتماعي واقتصادي جديد.
نموذج ناجح من سوس ماسة: التكوين في الأمن الخاص
في هذا الإطار، يبرز مثال حي من جهة سوس ماسة، يعكس تصورا جديدا للتأطير الهادف، ويتجسد في البرامج التي تشرف عليها جمعية سوس للتكوين والتنمية بشراكة مع أكاديمية الأمن الخاص بأكادير وبدعم من المؤسسات المختصة على مستوى الجهة.
هذه المبادرة، التي تُعنى بتكوين وتأهيل الشباب غير الممدرسين في مجال الأمن الخاص، تمثل رهانًا حقيقيًا على التأطير الممزوج بالتمكين. فهي لا تكتفي بتوفير تكوين تقني ومهني متطور فقط، بل تفتح آفاقًا حقيقية للتشغيل والاندماج السريع في سوق الشغل، في قطاع يضطلع بأدوار متنامية في التنمية المجتمعية، سواء على مستوى حماية الأفراد والممتلكات أو المساهمة في الاستقرار العام.
أثر ملموس… وتصور جديد للتأطير
النجاح الذي بدأ يتجلى من خلال هذه البرامج ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة مباشرة لعمل ميداني مؤسس على رؤية تشاركية، تؤمن بأن التأطير لا يجب أن يكون عملية فوقية تُمارَس على الشباب، بل يجب أن يكون إطارًا يُشركهم فعليًا في بلورته وتنفيذه، ليكونوا فاعلين فيه، وصانعين لمستقبلهم بأنفسهم.
مثل هذه المبادرات، التي يُفترض تعميمها وتطويرها، تمثل وجهًا من وجوه العدالة الاجتماعية المنشودة، وتُسهم بشكل مباشر في محاربة الإحباط والاحتقان، وخلق أمل حقيقي لدى الشباب، وهم الفئة التي راهنت عليها البلاد دومًا كقاطرة للتنمية.
